(قصة قصيرة)
رنين الهاتف اخرجني من متعة قراءة الرواية التي كانت بين يدي وعندما أجبت الهاتف تسلل إلي أذني صوت أختي الحزين، أخذت تسلم علي وتسأل عن أخباري ولكن قلبي حينها انقبض بغم وقلق وقد شعرت بأن اتصالها بي يحمل معاني تختلف عن المعنى الذي تتصنعه معي الآن لذا سألتها بتوتر قائلة:
-ماذا هناك هل حصل شيء؟!..
لم تتفاجأ بسؤالي لأنها تعرف بأن لدي حاسة سادسة لا تخطئ، لذا قالت بصوت حزين:
-حسناً لا تجزعي.. وتماسكي..
كلماتها تلك جعلتني أتوتر أكثر فهتفت بها قائلة بنفاذ صبر:
-تكلمي بسرعة.. ماذا هناك؟..
تنهدت وقالت بغم:
-والدي في المستشفى ويقول الأطباء أن حالته خطرة..
-والدي في المستشفى ويقول الأطباء أن حالته خطرة..
حفرة عميقة سوداء كريهة ضيقة سقطت فيها وأنا اشعر بالجزع يتملكني فقلت بصوت مضطرب:
-ما الذي يشتكي منه؟..
وهنا أخذت تسرد علي تشخيص الأطباء وأمور تجعل القلب يزداد انقباضاً مع كل حرف تنطق به..
وهكذا قلت لها بصوت حاولت السيطرة على أوتاره المضطربة:
-إذاً يجب ان أحضر على أول رحلة طيران متوفرة..
-ما الذي يشتكي منه؟..
وهنا أخذت تسرد علي تشخيص الأطباء وأمور تجعل القلب يزداد انقباضاً مع كل حرف تنطق به..
وهكذا قلت لها بصوت حاولت السيطرة على أوتاره المضطربة:
-إذاً يجب ان أحضر على أول رحلة طيران متوفرة..
أكدت مخاوفي عندما قالت بجدية:
-نعم.. فكل أخوتي سيحضرون لرؤيته ووداعه فالمرء لا يعلم الغيب..
أغلقت الهاتف وأنا مصابة بالذهول وأخذت أتساءل وأنا لا أرى ما أمامي أيعقل بأن اليوم الذي كنت أخشاه قد جاء؟..
صحيح بأنني أعلم أن والدي كبير في السن ومصاب بمرض القلب وكلنا نتوقع موته ولكن كانت الأيام تمضي ووالدي يعيش والابتسامة المرحة الحنون لا تفارق محياه الحبيب وهذا ما طمأننا، كنت أعشقه وأعشق والدتي التي لاتقل عنه طيبة وحناناً، وكم كنت اخشى أن يأتي اليوم الذي أفقد أحدهما أو كلاهما وقد كانت مجرد الفكرة ترعبني أما الآن فأنا أحيا الواقع.. الواقع المر الذي لاسلطة لي عليه فلا أقدر تغيره أو حتى تأخيره فقط، فكل شيء بيد الله سبحانه الذي لادائم إلا وجهه..
وهنا اتصلت بزوجي وأخبرته بالأمر فحجز رحلة على الطائرة المتجهة إلى جده لي وله ولأبنائنا، ولكن تلك الرحلة كانت في الغد فأخذت أتنهد وأنا أفكر ماأطول الوقت، وأترقب الأخبار بخوف وبصبر..
أخذت أسكب الماء على رأسي عله يغسل مابي من هم ولكن دموعي الحارة أخذت تمتزج مع المياه الساقطة وتنافسها غزارة وشريط الذكريات يمر أمامي من دون أن يغفل أي تفصيل وكأنه يريد أن يزيد عذابي عذاب آخر.. يا إلهي هل سأفقد متعة ان أراه، أن أسمع صوته، أن أزوره وأرى السعادة عليه عندما يستقبلني وزوجي وأطفالي؟!.. ووالدتي ماذا سيكون حالها من بعد أن يختفي رفيق دربها؟..
يالله لقد كان يفصلنا عن الإجازة اسبوع واحد ثم نتمتع بها مع الأهل والأحبة ومع والدي الحبيبين ولكن الآن بدل من السعادة حل الحزن.. وبدل من الحياة جاء الموت.. والفراق.. الفراق الصعب الكريه والذي أشد أنواعه هو الفراق بسبب الموت.. الموت الذي لن يترك أحد إلا و يأخذه إلى عالم البرزخ الغامض.. وفي الطائرة أخذت ادعو لوالدي بأن يلطف الله به ويشفيه وإن لم يكن له نصيب في الحياة فحسن الخاتمة هي أفضل مكافأة يحصل عليها المرء ليضمن سعادته في دار البقاء..
وضعت رأسي على النافذة الجانبية لمقعدي في الطائرة، و أغمضت عيني وأن أقاوم الدموع التي أخذت تحاول التمرد على صبري..
-أعزائي الركاب نأمل من حضراتكم العودة إلى مقاعدكم وربط أحزمة المقاعد استعداداً للهبوط..
سمعت النداء فسحبت نفساً عميقاً وأخذت أترقب الهبوط وأنا في أشد الشوق لرؤية والدي قبل أن يختفي نهائياً عن الوجود.. هبطت الطائرة في مطار الملك عبد العزيز الدولي بجده وبعد أن أنهينا الإجراءات المعتادة ركبنا السيارة واتجهنا مباشرة إلى المستشفى وهناك استقبلني أخوتي بالأخبار السارة والدي تجاوز مرحلة الخطر وسيخرج من المشفي بعد يومين أو ثلاثة أيام.. لم تسع الدنيا فرحتي فبدلاً من الكدر والحزن والفراق قابلني البشر والصحة الغالية التي تحلى بها والدي، شكرت الله وبشرت أطفالي بأن الإجازة قد حلت باكراً وسنزور والدتي ونستمتع بوقتنا ونستقبل والدي بعد خروجه من المستشفى وبالفعل خرج واستقبلناه وعندما أصبح على سريره ليرتاح أخذت أقبله بحرارة وأقول له بسعادة:
-حمداً لله على سلامتك كم أشعر بالفرح لبقاءك معنا.. رد علي برزانه وابتسامة دافئة ترتسم على شفتيه:
-ولكنني لن أبقى معكم في دار الفناء فما عند الله خير وأبقى..
تفاجأت فقلت له بحنو:
-معك حق ولكن بعد عمر طويل إن شاء الله.. ابتسم برقة وقال بهدوء:
-العمر لك يا ابنتي أما أنا فاستودعكم الله.. فماذا أريد بدنياكم ولدي الجنات والعيون.. انقبض قلبي ولم أفهم وفجأة سمعت صوت قوي يقول:
- حضرات الركاب نرجو العودة إلى مقاعدكم وربط أحزمة المقاعد استعداداً للهبوط.. انتفضت مكاني لأجد نفسي على مقعدي في الطائرة فشهقت بجزع وأنا أدرك بأن السعادة التي عشتها ما هي إلا لحظات عشتها في منامي ولكن كلمات والدي في المنام جعلتني أتوجس خيفة وبعد الهبوط وصلني الخبر المفجع..
مات والدي مبطوناً..
توفى قبل نصف ساعة بعد أن ذكر الله ونطق الشهادة..
أخذت أبكي بحرارة وأنا أدرك بأن كلماته لي في الحلم ماهي إلا الحقيقة التي كان يشعر بها لحظتها لأنه في تلك اللحظة كان ميتاً وروحه عند الله قد استبشرت بالجنات والعيون.. لا أدري حينها هل أبكي أم أفرح؟!.. أأبكي فراقه؟!.. أم أفرح لهنائه؟.. أأبكي حسرة القلب التي شعرتها لأنني لم أره قبل موته؟.. أم أسعد لحسن خاتمته؟.. وهل يعزي قلبي بأنني رأيته ولكن في المنام وهو يبدو سعيد بحياته الأخرى؟. أم أن قلبي يطمع في رؤيته فعلاً والحياة لا تزال تدب فيه كحال أخوتي جميعهم اللذين رأوه؟..
وهكذا عندما رأيته وجسده خالي من الروح انهرت وبكيت وأدركت بأنني على الرغم من توقعي وتوقعنا جميعاً لموته إلا أننا سنفقده أشد الفقد وسعادة الدنيا كلها لن تعوض لحظة واحدة أقضيها في قربه ولو لساعة واحدة رحمه الله..
وهنا احتضنت أمي بقوة وكأني أخشى أن أفقدها هي الأخرى ثم أجهشنا جميعاً في البكاء وروح والدي رحمه الله عند بارئها سعيدة اكثر منا نحن التعساء بفراقه..
اللهم احسن خاتمتنا كما حسنت خاتمته واجمعنا معه في جنتك يا أرحم الراحمين وألطف بأمي وبنا جميعاً با لطيف يا خبير..
***********************************
..ملاحظة ليس هذا ما حصل معي فقد عشت تجربة مختلفة وهذه القصة إنما هي من وحي خيالي..
*****************
6 التعليقات:
ما أصعب الرحيل ورحيل الأحباءوخاصة الوالدين آه من الفراق ولكن الحياة والموت بيدالله لا نستطيع الوقوف أمامه ولا نعترض على قضاءالله وقدرة أنا فقدت والدي ولم أفق بعد كأنني في حلم أتخيله في كل مكان لم اصدق بعد لم يغب عن مخيلتي لم تجف دمعتي أنا في عالم اخر لا احس بوجود من حولي لم أفق بعد نسأل الله العفوا والعافيه ويسكنه فسيح جناته ويرحمه برحمته أمين
زهرة اللوتس
اختي وحبيبتي ندو
عظم الله أجرنا واجركم في فقد والدكم
وأسكنةالفردوس الأعلى في الجنة
هذه هي الحياة تجمعنا وتفرقنا عن من نحب , أصبح هاجسي الدائم وبشكل مخيف أن افقد أحد عزيز وغالي على نفسي ولكن أحاول أن احاكي نفسي بأن هذا حاصل لا محالاه .
دعواتي من القلب لوالدك
اللهم ثبته عند الحساب
اللهم وسع عليه في قبره وأجعل له نور في قبره
اللهم أرزقه صحبةالرسول الكريم وأصحابة في الجنة
حبيبتي اكثري من الصدقه له والدعاء
(هم السابقون ونحن اللاحقون
اللهم أجعلها أخر الأحزان يارب
لك حبي
women space
الرحيل إبتسامة الموت وسراب الوجود
والموت رحلة للعالم الحقيقي أو العالم الذي سوف نعيش فيه أبداً ..
عزيزتي قصة جميلة اعجبتني
والى الأمام ...
زهرة اللوتس..
عزيزتي عظم الله أجرك في فقد والدك وأسكنه فسيح جناته..
هذا هو حال دنيا الفناء نسأل الله لنا السعادة في دار البقاء..
أهلاً بك فضاء..
حفظ الله لك أحبتك وأطال في أعمارهم ورحم الله فقيدنا وأسكنه فسيج جنته..
اللهم صبرنا على فقد أحبتنا يا أرحم الراحمين..
أهلاً بك خالد حنشل..
أشكر لك كلماتك الرقيقة ويسرني أن أعجبتك قصتي القصيرة وأتمنى من الله أن تعجبك مؤلفاتي على الدوام وأن تكون من زوار عالمي الدائمين..
كلمة اهمس بها في أذنيك لديك قلم رشيق فلا تهمله واستمر إلى الأمام بتوفيق من الله ورعاية منه..
تحياتي..
إرسال تعليق