اتجهت نحوهم فشاهدنها تقترب بثوبها
الأبيض القصير والذي أخذ يتهادى مع مشيتها ونسمات هواء العصر العليل تداعبه كما
تداعب شعرها..
وقفت أمامهم مباشرة فرفعوا أعينهم
إليها سحبت نفساً وهي تعلم بأن أعينهم معلقة بها ثم قالت بمرح مفاجئ:
-مرحباً شباب.. يبدو أنكم تمضون
وقتاً ممتعاً هنا..
رد (وحيد) قائلاً بكسل:
-أووه.. أجل.. فالمكان هنا ساحر..
أيده الجميع فشعرت بالتوتر ولكنها قد
عزمت أمرها لذا قالت بخفة:
-ومع ذلك من منكم يمكنه أن يسدي لي
خدمة..
ضحك (غسان) وقال:
-وما المقابل؟..
ردت وهي تضحك ضحكة ساحرة أدهشت الكل
ثم قالت بمرح:
-كوب من الشاي المعتبر..
ضحك (غسان) بخفة، ولكن (وحيد) قال
بكسل:
-مقابل قبلة سأفعل لك ما تريدين..
ضحكت(لانا) بدهشة وهي تراه يمازحها هكذا و لكنها
ضحكت أكثر وهي تتخيل ردة فعله عندما يقوم بقيادة تلك الشاحنة العتيقة والتي تفاجأ
بوجود مثلها الجميع..
فقالت له وعيناها تلمعان من شدة الضحك:
-حسناً موافقة..
التفت نحوهما الشبان الثلاثة في دهشة
وترقب فقال (وحيد):
-اتفقنا.. سأفعل ما تريدين..
قفزت في مرح وقالت له بسعادة وامتنان
وهي تمد يدها الحاملة لمفتاح الشاحنة:
-إذاً أرجو أن تقود شاحنة والدي
المرعبة؟. واذهب إلى الجزار (أبو علي) وأحضر اللحم الذي اشتريته أنا ونسيته هناك؟.
قل له أنك من طرفي وسيعطيك إياه حالاً..
مد يده بكسل وقبل أن تضع المفتاح في
راحته قال وعيناه تلمعان:
-القبلة؟!..
ضحكت ساخرة وقالت:
-وهل أنت جاد؟.. لا تتملص فوعد الحر
دين..
لوا شفتيه وقال بصوت هامس:
-قولي ذلك لنفسك..
شعرت بالحرج ولكنها لم تظنه جاداً
لذا وضعت المفتاح في راحته وهمت بسحب يدها..
فجأة
قبضت يده بقوة على يدها وجرها نحوه فمالت فوقه رغماً عنها..
___________________________________________
صمت وأخذ يتأملها وهو يشعر بخفقات
قلبه تضج في أذنيه فمثله من النوع الذي يضعف أما المرأة قد أصيب بضربة كبيرة لأنه
يقف أمام امرأة بكل هذه الفتنة وبتلك العينين الفيروزيتين الذابلتين والساحرتين..
شعرت (لانا) بالارتباك وأدركت بأنه يحاول أن
يغازلها لذا همت بالانصراف بحزم..
ولكنه أمسك بذراعها قبل أن تفعل
وشدها نحوه هتفت به مذعورة قائلة:
-ماذا بك؟.. كن محترماً يا (باتريك)
ولا تتبسط معي..
هتف بحنق من بين أسنانه:
-اللعنة.. أنت تفقديني صوابي ومع ذلك
تتركيني أحترق هكذا..
قالت بصدمة:
-ماذا تقول؟.. أنا لم أفعل لك شيئاً
ولم أشجعك فلا تتهمني زوراً..
ضحك بمرارة وقال بصوت خشن:
-وهل يجب أن تغرينني لأركع أمامك
فوجودك لوحده أكبر فتنة..
قالها ثم صمت وقربها منه قائلاً
بهمس:
-(لانا) ارحمي قلبي الضعيف الذي لا يحتمل
جمال الأنثى.. فأنت أجمل امرأة رأيتها في حياتي..
________________________________________
أخذن النساء يهندمن ثيابهن، بينما
الرجال أخذوا يطمئنوا على الجميع ما عدا والدها المسكين..
أبعدت عنها الشاب وانطلقت نحو الزجاج
الأمامي للحافلة والمكسور فنظر نحوها (وحيد) في ذعر وقد أدرك ما تنوي فعله، انطلق
نحوها وكانت قد وقفت على مقعد السائق الذي كان يجلس عليه والدها منذ لحظات فأعطاها
هذا عزم أكبر لأن تصل إليه ولكن الشاب الذي واساها منذ لحظات صرخ بها وهو يمسك
بجذعها ليمنعها من ذلك...
صرخت في وجهه بغضب قائلة:
-أتركني.. أتركني.. أريد أن أرى
أبي..
انتبه لهما الجميع فاتجهوا نحوهما،
ولكن مقاومتها لم تزد (وحيد) إلا إصراراً فهتف بها:
-انتبهي يا مجنونة.. سيقطعك الزجاج
المكسور..
وبذراعيه القويتين جذبها بقوة وحملها بينهما وهي تركل وتصرخ في هستيريا
جعلت (غسان) يتجه نحوها بعزم ويصفعها على خدها..
شهقت وكذلك فعلن كل الفتيات..
نظر نحوها (غسان) بصرامة وقال:
-أعرف أنك ملتاعة على والدك.. ولكنك تؤذين
نفسك وتمنعينا من التفكير، كلنا تعرضنا لصدمة وليس أنت فقط...
_____________________________________________
أصبح مكان المخيم نظيف الآن بعد حفل
شواء لذيذ جداً والذي بعد تنظيفه بدا خالي مهجور وكأن أحداً لم يكن به..
كان هواء الليل عليل وأصوات صرصور الحقل
الرنانة تضفي على المكان جواً ريفياً بديعاً..
تنهدت (لانا) بحنين واتجهت نحو المنزل لتنام هي
الأخرى وفجأةً عندما وصلت إلى باب المنزل شعرت بيد تمسك بذراعها وتجرها نحوها فصرخت
بذعر ولكن الذي أمسكها كمم فمها والصق ظهرها بصدره ثم حملها بكل بساطة بذراعه
الأخرى والتي لفها حول بطنها وخصرها..
كانت
تركل برجليها وتضرب بيديها دون جدوى وهي تشعر بنفسها تحمل إلى الجهة الخلفية
لحديقة المنزل
_______________________________________________
سقط قلبها بين قدميها، وتقدمت بشوق وحزن وهي لا تصدق
أن هذا الجسد القوي مسجي هكذا بضعف جعل قلبها يرق بطريقة أدمعت عينيها تقدمت منه
وبيد مرتجفة مشتاقة أخذت طريقها نحو شعره الأسود الطويل، وتخللت أناملها خصلاته
الناعمة وإثر تلك الحركة أغمضت عينيها بشوق كبير وهمست:
-آآآه.. كم اشتقت إليك..
فتحت عينيها واقتربت أكثر حتى أصبح وجهها قريباً من
وجهه، فتذكرت اللحظات التي كان يقرب وجهه منها ويتأملها أو يقبلها، ابتسمت بحنين
وأخذ تكحل عينيها من ملامحه الغالية على قلبها وأصابعها تلعب بحرية في خصلات شعره وفجأة
فتح عينيه الواسعتين ليفاجأ بمرأى (لانا) بملامحها الجميلة والغالية عليه..
صدم وتوقع للحظة بأنه كان يحلم بلمساتها والآن
بوجهها ولكنه شاهد السعادة في عينيها وابتسامة ناعمة على شفتيها وهي تقول بصوت
أجش:
-حمداً لله على سلامتك.. ليت الإصابة كانت بي وليست
بك..
وهنا تكسرت لوحة الأحلام وحل الواقع بعد أن سمع
صوتها واضحاً واستوعب عقله بأن وجودها حقيقي، وتفاجأ لمرأى الدموع في عينيها ولكنه
تذكر..
تذكر خيانتها له بعد أن أمطرها حباً..
تذكر خيانتها له بعد أن صرحت بحبها له..
تذكر وتذكر وتذكر..
وهنا انتفض بذعر.. بحقد..
بكره بعد أن هام حباً بها..
وبدون شعور هتف بحرقة قائلاً:
-ابتعدي.. لا تلمسيني..
______________________________________________
مدت يديها المرتجفتين نحوه وقالت برجاء:
-أقسم بالله بأنني أحبك حب لم يحمل قلبي مثله لرجل
في العالم..
أقسم بأنني أحبك وحدك ولم ولن أخونك قط..
لماذا تعذبني بغيرتك هذه؟!.
لماذا يعذبك الشك؟!.
أهذا هو استقبالك لي بعد فترة الهجر؟!..
كم انتظرتك لتعود إلي.. ولكنني الآن أنا من جاء..
وفي المقابل أجدك تنظر إلي بعينين حاقدتين و..
يا إلهي لا تنظر إلي هكذا وكأنني عدو رجيم..
قال من بين أسنانه والدموع المالحة تبلل شفتيه:
-أتعلمين إلى أي حد أحببتك.. لعنة الله عليك كم
عذبتني.. أتعلمين لما أنا هنا مريضاً وكدت أن أواجه الموت؟!..
أتعلمين لما؟!..
نظرت نحوه في دهشة وحيرة فأكمل بمرارة العالم كله:
-أنا هنا بسببك..
______________________________________________
ولمزيد من الأحداث المثيرة والعواطف الجياشة اقرأوا رواية ضحايا الحب من روايات توليب لرومانسية مع تمنياتي للجميع بقراءة ممتعة ومفيدة.
اقرأ المزيد »